تخطي للذهاب إلى المحتوى

الكنيسة

شعلة حق في أزمنة متعددة
10 مارس 2025 بواسطة
الكنيسة
اذهبوا وتلمذوا

كتب الراحل الفاضل وليم وهبة في مستهل كتاب الكنيسة المتغربة، هذه الكلمات: "شعلة الحق لم تُطفأ أبدًا ولن تُطفأ. ربما تخبو في مكان، وتتوهج في مكان آخر. قد تسقط من يدِ أحدٍ لترتفع عن طريق أيادي أخرى. إذ أن الرب لا يترك نفسه بلا شاهد يتمسك بالحق، ويدافع عنه، ولو اضطر أن يختم شهادته بدمه."

وكم نحتاج في هذه الأيام، أن نتأمل جيدًا هذه الكلمات، وليسأل كل مؤمن نفسه: هل أنا الذي أسقطت هذه الشعلة، أم أنا الذي أرفعها؟

نظرًا لما تعانيه الكنيسة الآن، من دخول العديد من التعاليم المضلة، والأفكار الجسدية، التي بدأت تنتشر بقوة، بسبب وجود التربة الخصبة لنموها، في ظل غياب التمثل بالكنيسة الأولى، التي عاشت مبادىء رب المجد بكل أمانة. لقد تكونت الكنيسة - جسد المسيح- وبصورة واضحة في (أعمال 2)، وسرعان ما انتشرت واتسعت، فكان من الصعب أن يجتمع المؤمنون في مكان واحد فقط، لكنهم ذهبوا لتتميم المأمورية العظمى، وهي البشارة بالإنجيل – الخبر السار- في الأماكن المجاورة، ثم إلى كل العالم. لذا فقد ظهر هذا الجسد في صورة كنائس محلية، تقوم بالشهادة في عدة أماكن في وقت واحد، ويتحقق فيها اظهار الروح القدس للمنفعة، في جميع الأعضاء، من خلال العلاقة المباشرة مع الرب، فهو وحده له السلطان الكامل في الكنيسة. وكما يخبرنا سفر الرؤيا عند مخاطبة الكنائس السبعة، كل كنيسة برسالة خاصة، دون أن يوصي كنيسة على أخرى، ولم يأمر بوجود اتحاد منظم للكنائس، فيما عدا زيارات وافتقاد من كنيسة لأخرى، وعلى المستوى الشخصي كما حدث في

(أعمال 15: 36) «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ».

ولأن المهمة الأساسية للكنيسة هي بشارة الخلاص للجميع؛ نرى بعض الكنائس لديها الأمانة والمثابرة للقيام بهذه المهمة، فلا زالت هذه الكنائس تحملة شعلة الحق، بمعونة من الرب، من خلال رجال الله الأتقياء الموجودين في هذه الكنائس، الذين لديهم الرغبة في طاعة الرب، والحفاظ على المبادئ الكتابية والتعليم النقي، الذي مصدره الكتاب المقدس، دون الالتفات للتعاليم المضلة، أو للتفاسير التي تتوافق مع الأفكار المغلوطة.

فلم يكن انتشار الإنجيل سريعًا بعد يوم الخمسين إلا بتأثير عمل الروح القدس، في الأشخاص الذين سمعوا هذا الخبر العظيم، وسكن في قلوبهم ببساطة الإيمان، وتصديق وعود الرب لهم، وبالتالي تم نقل هذا الخبر إلى أماكن أخرى، كانوا قد تشتتوا فيها، نتيجة الاضطهاد. وبدأوا في تأسيس الكنائس التي تعتمد على قيادة الروح القدس، وادراكهم بمدى المسؤلية التي تحملها هذه الكنائس لتصبح مركز لاعلان كلمة الحياة.

(فإن أردت أن تعمل في كرم الرب، لتنال هذا الشرف وتنجح إلى المنتهى، اُترك الروح القدس هو الذي يعمل فيك وليس شخصك).

نرى بداية التبشير كان في المجامع، حيث تُقرأ أسفار العهد القديم، وتعليم موسى، والصلاة. لقد كانت هذه الأسفار هي المركز الأساسي الذي يلتف من حولها الجميع للعبادة. وفي وسط المجمع تابوت يُحفظ بداخله أسفار العهد القديم، وبجانبه منبر للقراءة. لقد استمرت هذه المجامع، رغم كل الاضطهادات، حتى بعد دمار الهيكل كانت هذه الأماكن هي مصدر قوتهم وحمايتهم من الانقراض والتلاشي. ولقد تردد عليها بولس وبقية الرسل، واستخدموها لتوصيل الخبر السار بالخلاص من الخطية بالمسيح يسوع.

ولأن إبادة هذه المجامع كان مستحيلاً، نظرًا لتمسكهم بالقوة التي بداخلهم، وبالهدف الذي يسعون للوصول إليه، اذ أن المركز الأساسي في عبادتهم هو أسفار العهد القديم، وأيضًا وجود رجال يدافعون عن الحق ويحملون المشاعل لاضاءة الطريق أمام الآخرين. كذلك نجد أيضًا أن إبادة الكنائس في أي وقت هو أمر مستحيل، طالما المركز الأساسي في العبادة هو الرب يسوع المسيح له المجد، وبناء علي الوعد بوجوده إذا كان الاجتماع باسمه (متى 18: 20). ورغم انتشار الكنيسة، في بدايتها، بين الأوساط اليهودية إلا أن اليهودية كانت أول المقاومين، لما لديهم من حسد للرب يسوع، الذي من نسل ابراهيم، والذي جاء لتتميم رجاء إسرائيل، ولكن برفضهم للمسيح أتاح الفرصة للأمم، لقبول الإنجيل والخلاص. وقد حاولت اليهودية التأثير على الكنيسة باخضاع المسيحين الأوائل للناموس، لكن كانت هناك مقاومة ضد هذه الأفكار كما أوضح بولس في (غلاطية 2: 16). لذلك حاول اليهود تقييد حرية المسيحيين، ومنعهم من توصيل رسالة المسيح للعالم.

كما ظهرت الفلسفة اليونانية، والتي حاولت نشر بعض النظريات لكيفية الوصول إلى الله عن طريق المعرفة (العلم الروحاني). ونظرًا لتعدد المصادر، حدث اختلاط بين اليهودية والوثنية، ثم اتجهت للتعاليم المسيحية، ومارسوا الطقوس الخارجية للديانات الوثنية، وتعددت المذاهب الفلسفية التي كانت تنادي بوجود إله للنور تُنسب إليه كل الأمور الروحية، وهو الإله الأعلى. وإله الظلمة، وهو المسئول عن كل ما هو محسوس ومادي. وكان هذا وغيره كفيل بظهور الهرطقات التي غزت الكنيسة الأولى. لكن في وسط هذا الظلام، كان هناك رجال ونساء أتقياء تحملوا الاضطهاد والطرد وغيره من الآلامات الجسدية والنفسية، في سبيل توصيل الأخبار السارة للعالم، فحملوا المشاعل لاضاءة العالم المظلم، وإعلان الحق الكتابي أمام وجه الفساد (سواء ديني أو سياسي أو إجتماعي).

وما يؤكد هذا، رسائل بولس ويوحنا، التي كانت وسيلة لصد هذا الهجوم، وحماية الحق الكتابي، ووحدة التعليم. ونعلم أن كثير من مؤمني الكنيسة الأولى والرسل قد استشهدوا دفاعًا عن الحق، ولاستمرار توصيل الرسالة الإلهية للجميع. فماذا نحن فاعلون اليوم؟ هل نبقى مكتوفي الأيدي، ونحن نرى مشعل الحق يخبو، وليس لنا قدرة على رفعه مرة أخرى، لتنهض الكنيسة وتجاهد الجهاد الروحي، وتكمل السعي، لإعلان هذا الحق الصريح، والذي هو مسئولية كل كنيسة محلية. فعلى كل مؤمن بالرب يسوع المسيح، في كل كنيسة محلية، أن يتخلى عن كل فكر شخصي وذاتي، وأن يدع الروح القدس هو القوة الأساسية لقيادة الكنيسة، وليس شخص له مركز أو سلطة. آمين

الكنيسة
اذهبوا وتلمذوا 10 مارس 2025