حقًا أنه امتياز عظيم، ومسؤلية خطيرة، أن يستخدمنا الله في خدمة المراهقين. ومع أن الأمر ليس سهلاً، لكنه ممكن بنعمة الله، إذا كنا نفهم أولاً مَن هو المراهق، وما هي احتياجاته النفسية، والفكرية والروحية والإجتماعية، ثم نحدد كيف نتعامل معه، وكيف نخدمه نفسيًا وروحيًا لنقوده إلى معرفة حقيقية بالرب المخلص. إن هذا هو هدفنا الرئيسي في الخدمة.
أولاً: كيف نفهم المراهق؟
الدوافع الإنسانية:
شرح علماء النفس، الدوافع التي تواجه سلوك جميع البشر، بصفة عامة كالتالي:
الحاجة: وهي نقص أو احتياج معين والدافع وهو توتر يوجه السلوك ويحفز الطاقة
- اشباع (يؤدي إلى الرضا والاستقرار النفسي)
- عدم اشباع (يؤدي إلى احباط واضطراب نفسي، يظهر إما في سلوك انسحابي أو سلوك عدواني).
هرم ماسلو للاحتياجات النفسية
وضع ابراهام ماسلو في عام 1954 نظرية "الدوافع"، ورتبها في شكل هرمي، حسب أهميتها للإنسان، من أسفل إلى أعلى. باعتبار أن الاحتياجات الأكثر قيمة هي الأعلى (قمة الهرم) مع أنها أقل إلحاحًا، أي يمكن للإنسان أن يعيش بدونها، والعكس صحيح.
شرح هرم ماسلو
المستوى الأول: يشمل الهواء، الطعام، الماء، السكن، النوم، الجنس.
المستوى الثاني: يشمل الحماية، الحقوق، الحرية، النظام، السلطة الضابطة.
المستوى الثالث: يشمل الحب، الانتماء، القبول من الآخرين، الرفقة الإجتماعية (الصداقة)
المستوى الرابع: يشمل تقدير الذات (في نظر الآخرين)، الاحترام، الانجاز، المكانة الإجتماعية.
المستوى الخامس: يشمل تحقيق الذات (في نظر الشخص نفسه)، الطموح، الإبداع، الترقي.
ملاحظات هامة:
- هذه الاحتياجات لدى جميع الناس كبارًا وصغارًا.
- لا يمكن التعامل الصحيح مع البشر عمومًا، بدون فهم احتياجاتهم.
- كل مستوى مبني على المستوى السابق له، فلا يمكن اشباع المستوى الثاني قبل الأول، وهكذا..
- المستوى الأول والثاني يشترك فيه الإنسان والحيوان معًا، ولكن كلٍ بطريقته الخاصة.
- المستوى الأخير لا يحدث عنده اشباع، لأنه يرتبط بالطموح المستمر والسعي نحو الابداع الدائم.
- تتحكم في شدة الدوافع أسباب فطرية غريزية، وأخرى بيئية مكتسبة.
- لا خدمة مثمرة بدون اشباع احتياجات المخدومين النفسية، لأنها الدافع الأساسي وراء أي سلوك.
مرحلة المراهقة
أصل كلمة "المراهقة" في اللغة العربية، من الفعل "رهق" أي اقترب من الشيء، والمراهق هو شخص قد اقترب من مرحلة النضوج، ولكنه ليس ناضجًا بعد، وهي تقع تقريبًا ما بين (12-21 سنة) في الأغلب.
مرحلة المراهقة في كلمات:
مرحلة الأزمات والصراع العنيف.
مرحلة المشاعر أكثر من العقل.
مرحلة ما بين الطفولة والنضج
مرحلة التشكيل وصياغة الشخصية
مرحلة البحث عن الهوية (من أنا؟؟)
العوامل التي تؤثر في تكوين شخصية المراهق:
أ. عوامل وراثية فطرية، وهي أضعف تأثيرًا (حوالي 40 %)
بعض الصفات الشخصية وراثية، مثل الخجل والجرأة، الهدوء والعصبية... وغيرها، وهي يمكن تطويرها وتغييرها نسبيًا، بمرور الزمن، والتدريب، مع خبرة الحياة (إذا أراد الإنسان).
ب. عوامل بيئية مكتسبة: وهي الأقوى تأثيرًا (حوالي 60 %)
وتتمثل في الأسرة والمدرسة والأصدقاء والكنيسة والمجتمع عمومًا (هناك حوادث صادمة في الطفولة تهدم الصحة النفسية للمراهق فيما بعد، مثل فقدان الأم، الخطف، الاعتداء الجنسي... لأن الطفل الذي لا يُشبَع في طفولته من الحب الغير مشروط، والشعور بالأمان والقبول من الآخرين، وتقدير الذات... لا يمكنه أن ينشأ سويًا نفسيًا (في مرحلة المراهقة)، فيُحسِن التعامل مع نفسه ومع الآخرين (سواء أصغر أو أكبر منه)، بل أنه لا يستطيع أن يقدم هذه الحاجات لغيره، إذا صار أبًا أو أمًا فيما بعد.
سمات مرحلة المراهقة عمومًا:
- زيادة حدة الدافع الجنسي وسيطرته بشده، والسعي لاشباعه بأي وسيلة، مشروعة أو غير مشروعة.
- التمركز حول الذات في صورة العناد والتمرد ومحاولة اثبات الذات، والاصرار على الرأي حتى الخاطيء.
- التطرف في كل شيء لمخالفة مَن حوله، وتحدي السلطة، وتحطيم المبادىء، والقيم السائدة.
- فقدان الهوية، والشعور بالضياع والحيرة بشأن المستقبل، والشعور بأن لا أحد يفهمه من المحيطين به، خاصة الكبار (وهذا حقيقي إلى حد كبير)، مما يسبب له القلق والاكتئاب باستمرار.
- الفراغ النفسي والجوع العاطفي لعدم اشباع الكثير من الدوافع والحاجات النفسية لديه.
- اتساع الخيال، والبعد عن الواقع، أحلام اليقظة، الطموحات الخيالية، المثاليات، الحب الرومانسي.
- الميل إلى تكوين صداقات وشلل (تدوم بين الفتيان أكثر من الفتيات)، والانتماء والولاء لهذه الشلة أو المجموعة أكثر من الوالدين والكبار عمومًا.
- الحساسية في التعامل مع الآخرين (خاصة الجنس الآخر)، والخجل واهتزاز الثقة بالنفس.
- فوران العواطف، وغياب دور العقل (خاصة إذا اصطدم بالعاطفة)، العصبية وسرعة الانفعال، التهور والاندفاع، التقلب في الرأي، قابلية الايحاء وسهولة الانقياد للآخرين (خاصة الأقران).
- التناقض والازدواجية يسمح لنفسه بالخطأ وفي الوقت نفسه يثور إذا ارتكب أحد ضده نفس الخطأ. كما أنه يتضايق من تعليمات والديه ونصائحهم، وفي نفس الوقت يشعر بالحاجة إليهما دائمًا.
- الاستهتار وكثرة الاستخفاف لاثارة الضحك فيمن حوله، لجذب الانتباه إليه، والظهور بشخصية جذابة.
- التأثر بالحالات الإنسانية، والانجذاب إلى أعمال الخير الاجتماعية (لأنه يميل إلى الفكر المثالي).
ملاحظة: ليس من الضروري ظهور كل هذه السمات مجتمعة في الفرد الواحد، لأن الفروق الفردية عنصر هام، وهي تؤثر في سلوك شخص، خلاف آخر.
خدمة المراهقين