تخطي للذهاب إلى المحتوى

الكنيسة النابضة جزء 2

30 يناير 2025 بواسطة
الكنيسة النابضة جزء 2
اذهبوا وتلمذوا

لمحات من تاريخ الكنيسة.

إن الكنيسة، ليست خطة بديلة، لفكرة بديلة، عند الله، بل كانت في قلبه من البدء. وخطة الرب يسوع لكنيسته هى أن تستمر تعمل بنجاح عبر التاريخ. إن سِجِل الكنيسة ممتلئ بحالات من الارتفاع والهبوط،  نراها تتقدم أحيانًا، وتتراجع مرات أخرى. إن الكنيسة المتغربة، قد قاومتها قوى الشر، الموصوفة أبواب الجحيم (متى16: 18)، لكن تمكَّن المؤمنون الحقيقيون- بقوة الله- من الثبات والغلبة، في حياتهم واجتماعاتهم.

لقد امتحن الله الكنيسة في أمانتها وثمرها، وكان لابد لها أن تواجه الامتحان وتنجح بقوة الله.

لكن الجزء الأصعب في شهادة الكنيسة، هو أن الكثيرين مِمَّن يحملون اللقب "مسيحي" في العالم، ليسوا ممثلين حقيقيين للمسيح. وقد تعارضت المسيحية الاسمية مع طبيعة المسيح وكلمته. ولا يستطيع العالم أن يميز  بسهولة بين المؤمن الحقيقي، والمسيحي بالاسم، بين الحقيقي والزائف.

بدأت الكنيسة في عيد الخمسين اليهودي (أع 2)، وتكونت بعمل الروح القدس، بتعميد المؤمنين في جسد المسيح الواحد (1كورنثوس 12: 13). اتّحد كل من اليهود والأمم للمرة الأولى في جسد واحد (أفسس 2: 11- 16)، صار المسيح - حجر الزاوية الذي رفضه اليهود - هو رأس الكنيسة ( متى 21: 42 ، 1بطرس2: 7-9). لقد كانت الكنيسة سرًا غير معروف في العهد القديم (أفسس 3: 3-6)، لكن هذا السر أُعلِن بعد قيامة المسيح. سَجَّل سفر أعمال الرسل، وبعض الأسفار الأخرى في العهد الجديد، تاريخ الكنيسة الأصلى. لكن الكنيسة تطورت عبر التاريخ، ويمكن توضيح هذا التطور في فترات متميزة تمامًا، كالتالي:

اولاً: العصر الرسولي (33-100م):

بدأ تكوين الكنيسة في أورشليم، في يوم الخمسين، حلول الروح القدس على المؤمنين. ثم قام بطرس ووعظ جمهور الحضور، قبل المسيح نحو 3000 شخص (أعمال 2)، ثم ازداد العدد سريعًا، وانتشر الإنجيل بسرعة. تحول التأكيد الكتابي من ناموس موسى إلي الإنجيل- الأخبار السارة عن الرب يسوع، وصلبه وقيامته (أعمال 8:4).

حاول البعض خلط الطقوس اليهودية بالإيمان المسيحي، فطلب الذين من أصل يهودي، الأمم أن يختنوا، ويمارسوا بعض الأمور الطقسية الأخرى (أعمال 15: 1-29 ، غلاطية 2: 11- 3: 12). لقد كانت فكرة مساواة الأمم باليهود في الامتيازات، من الأمور الصعبة. حتى الرسول بطرس نفسه لم يتقبل هذا الأمر بسهولة، إلي أن أعطاه الله إعلانًا خاصًا ( أعمال 10: 9-16 ، 45-48). زادت مقاومة المجمع اليهودي، لكن رأينا كيف تقابل الله مع شاول، وصار مبشر كبير بإنجيل المسيح. وتحولت رسالته التي كانت تتركز على اليهود أساسًا إلي الأمم (أعمال 13: 42، 18: 6).

حمل الرسل الإنجيل إلي أقصي الشرق كما إلى أوروبا. وخرج المؤمنون الأوائل يكرزون بالمسيح في كل العالم. حذر بولس المؤمنين من الذئاب الخاطفة – المعلمين الكذبة- الذين سيدخلون إلى الرعية منذ ذلك الحين (أعمال 20: 29). استشهاد بطرس وبولس في روما بين عامي 60 م ،70م. نُفي يوحنا إلى جزيرة بطمس.  اُستشهد جميع الرسل، ما عدا يوحنا.  مع هذا كانت الكنيسة تنمو حتى دخلت بيت قيصر (فيلبي 4: 22). يتطابق هذا العصر المُبكِر- إلى حد ما- مع كنيسة أفسس (رؤيا 2:1-7).

ثانياً: الكنيسة المُضّطهَدَة (101- 312م)

قاسي المؤمنون من المقاومة والاضطهاد في القرن الأول، في عهد الإمبراطور نيرون، كما قاسوا من القادة اليهود مثل شاول الطرسوسي.  كانت هذه مجرد بداية لفترة طويلة من الاضطهادات، التى استمرت لمدة 200 سنة لاحقة. من عصر تراجان، في مطلع القرن الثاني، إلى نهاية عصر دقلديانوس عام 305 م، عانى المسيحيون من هجمات شرسة متتالية، تخللتها فترات قصيرة من التوقف. صُلِب المؤمنون، طُرحوا للوحوش المفترسة، اُحرقوا أحياء، عُذِّبوا  إلى درجة لا يصدقها العقل.  اُستشهد بوليكاربوس تلميذ يوحنا الرسول في سميرنا (أزمير) فى تركيا حاليًا، حوالي عام 155م. يتفق هذا مع الرسالة إلى كنيسة سميرنا (رؤيا 2:8-11). الكنيسة المتألمة، التي كان لها ضيق عشرة أيام،  تمثل هذه  الأيام حقب الاضطهاد العشرة، من نيرون و دومتيان في القرن الأول، ثم تتضمن ثمانية آخرين في القرنين التاليين.

في نفس الوقت، كانت الكنيسة تنمو بشدة، وامتدت في أوروبا إلى بريطانيا، وإلي جنوب أفريقيا، ثم إلى مناطق العالم غير المعروف. وفي الحقيقة، كان "دم الشهداء"، هو: "بذار الكنيسة". قصدت جهود الشيطان تحطيمها، لكنها جاءت بنتائج عكسية. ازدهرت الكنيسة، في هذه الفترة، جُمِعت الأناجيل وانتشرت عام 150م. ثم تم إقرار باقي أسفار العهد الجديد  عام 170م. رفضت الكنيسة الأسفار الزائفة،  واعتبرت أسفارًا أخري معينة، ليس موحى بها.  لم يُفقَد أي سفر من الكتاب المقدس.  قبِل المؤمنون الأسفار التي يدعمها الوحي من حيث طبيعتها، ومن حيث كاتبها، قبل انعقاد أى مجمع مسكوني. تطور اتجاه آخر في هذه الفترة وهو ظهور فكرة الأساقفة الذين عملوا في كل كنيسة. نادي بهذا الاتجاه أغناطيوس أسقف أنطاكية. لم يكن كل شيء نموذجيًا، ونمت حركة الاكليروس (تقسيم المؤمنون إلى إكليروس – رجال دين- وعلمانيين)، نمت نموًا كبيرًا في هذه الفترة. وواجهت الكنيسة ضلالات عديدة حول شخص المسيح، منها "حركة الدوسيتية"، التي أنكرت حقيقة تجسد الرب يسوع، واستبعدت أن يتجسد الله، ويصير إنسانًا.

ثالثاً: الكنيسة المتساهلة (313 –600م):

كانت بداية هذا العصر مثيرة.  إذ أنها على حافة موقعة عظيمة بالقرب من روما.  رأى قسطنطين الصليب في السماء، ومعه هذه الكلمات "بهذه العلامة تنتصر". وضع جيش قسطنطين على دروعهم علامة الصليب، وهزموا عدوًا قويًا.  اقتنع الإمبراطور أن إله المسيحيين أعطاه نصرًا وأيّده كإمبراطور في روما.   توقفت الدولة عن الاضطهاد، وبدأت تحمي الكنيسة. اعتنق كل الأباطرة اللاحقين، المسيحية الاسمية فيما عدا واحد. دخل حشد من الوثنيين، والهياكل الوثنية، إلى داخل الكنائس المسيحية. اعتمد الجنود جماعات. وبقوة، تزوجت أو امتزجت الكنيسة بالدولة ثم العالم.

ترمز كنيسة برغامس وتعني"المتزوجة كثيرًا"، إلى هذه الفترة (رؤيا 2: 12-17). كان لهذه الكنيسة كل تعاليم "النيقولاويين" والتي تعني: "قاهر الشعب"، وهؤلاء كانوا من اتباع رجل اسمه نيقولاوس، وهو يؤمن بتعاليم بلعام، أي أكل ما يُقدَّم للأوثان، وكان يمارس الدعارة. (يه11، عد22، 23، 24، 31: 8).

أصبحت هذه الكنيسة المساومة، متصلة بالدولة. ترأس الإمبراطور أول مجمع كبير في نيقية عام 325 م.  وأصبح لأسقف روما مكانة تسمو على كرسي الإسكندرية أورشليم وأنطاكية. نمَت فكرة سيادة أسقف روما علي باقي الأساقفة، وظهر التعليم بأن بطرس هو أول الباباوات، وأنه تسلَّم سلطة القائد الأعلى، وسلمها بدوره للأساقفة اللاحقين في روما، وأنه ينبغي أن تظل روما سائدة إلى الأبد.  تم فصل الاكليروس عن العلمانيين. وصار لرجال الدين كهنوتًا خاصًا.  تبع ذلك تغيرات أخرى في الكنيسة، مثل: عبادة القديسين الموتى 394م – عبادة العذراء مريم 431م – اختلاف ملابس الكهنة عن ملابس العلمانيين 500م – عقيدة المطهر 593 م – تلاوة القداس باللاتينية في الدول الغربية 600م – رفع صلوات للعذراء مريم 600م – وصار لكل هذه مراسيم كنسية تدعمها سلطة الدولة.  نتيجة لهذا، انحدرت الكنيسة عن النموذج الكتابي.

كانت النتيجة الرئيسية لمجمع نيقية، هي الوقوف في وجه عقيدة آريوس، الذي نادى بأن ابن الله مخلوق، وليس الإله السرمدي، المساوي للآب في الجوهر. عُقدت مجامع لاحقة في القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية الشرقية، والكنيسة الشرقية فيما بعد)، في أفسس و خلقيدونية. صدرت فيها مراسيم تدين الضلالات التي كانت تهاجم الله، وثالوث اقانيمه، طبيعة المسيح، اللاهوت والناسوت.  كان أوغسطينوس أكبر قائد لها، ولا تزال كتاباته تؤثر في الكنيسة حتى الوقت الحاضر.  خرج المُرسَلون إلى روسيا والصين وأماكن أخرى بعيدة،  يحملون رسالة الإيمان. علي أن هذه الأحداث المشرقة، اكتسحها تحول مأساوى في الاتجاه المضاد. صارت الكنيسة أقل روحانية، واقل صدق الله، عن الكنيسة المضطهدة.

يُتبع


الكنيسة النابضة جزء 2
اذهبوا وتلمذوا 30 يناير 2025
علامات التصنيف