تخطي للذهاب إلى المحتوى

الكنيسة النابضة

جزء 3
10 مارس 2025 بواسطة
الكنيسة النابضة
اذهبوا وتلمذوا

تكلمنا في العدد السابق، عن بعض من لمحات الكنيسة عبر العصور، وبمعونة من الله تستكمل، بعض من هذه اللمحات، لأخذ العبرة، والتعلم، وتجنب الضعفات، والخضوع لمباديء الكتاب المقدس، بكل أمانة.

4- الكنيسة الوثنية 601- 1516م

الوثنية، معناها  عبادة الأصنام، حياة مصحوبة بمتعة جسدية ومادية، حياة الفساد والنجاسة.

في تلك الفترة المحزنة من تاريخ الكنيسة، انحدرت المسيحية الاسمية وارتدت كثيرًا. اتحدت سلطة الحكام المسيحيين، ولطخت المبادئ الكتابية.  قاومت الكنيسة الشرقية هذا التيار إلى حين. وكانت هذه الكنيسة تمتد من بلاد ما بين النهرين إلى آسيا فى شكلها الأرثوذكسى.

سُمى ذلك العصر بالقرون الوسطى، وسُمى القرنان  10 و  11 بعصر الظلام و الجهل، الخرافات، والفساد..

انتشرت البدع الكثيرة، وازدهرت، كما وصل الفساد قمته في انتشار وبيع "صكوك الغفران" من الكنيسة.، إلى آخرها من الظلمات الكثيرة التي يصعب عرضها هنا.

لكن، بقي البعض من القادة المسيحيين الحقيقيين، وقفوا ضد التيار. أكدوا سلطان الكتاب المقدس فى أمور الإيمان، ضد سلطة الكنيسة المرتدة.  ترجم ويكليف (1324-1384) فى بريطانيا الكتاب المقدس إلى الإنجليزية، وانتقد الكنيسة الاسمية فى عدم اتباعها تعاليم الكتاب.  بعد موته حطم قادة الكنيسة عظامه وأحرقوها.  وعظ جون هس (1369-1414) فى بوهيميا ضد فساد الكنيسة، فتم حرقه مشدودًا فى خازوق. أستشهد سافونا رولا وآخرون فى إيطاليا  لوقوفهم ضد المد.  أثارت هذه الأمور غضب مارتن لوثر الراهب الكاثوليكى الأوغسطيني، فاحتج ضد الكنيسة فى 95 موضوع رئيسى، وسمّر الاحتجاج على باب كنيسة وتتبرج بألمانيا 1517م، لقد حاول لوثر مثل كثيرين، من إزالة كل الأتربة المتراكمة في تعاليم الكنيسة، والعودة بها للكتاب المقدس.

يرمز إلى هذه الفترة عامة بكنيسة ثياتيرا  (الرؤيا2 : 18 – 29) إنها الكنيسة التى قبلت التعليم الفاسد وغير الصحيح، بينما كانت تتمسك بالتدين الظاهري ومظاهر العظمة.

5-الكنيسة المُصلحة(1517-1700م)

قادت حالات الفساد فى الكنيسة الرسمية، جماعة المستنيرين روحيًا، إلى البحث عن الإصلاح.  كانت البداية الرسمية - مع أن سبقها الكثير في كل عصر- هى اعتراضات لوثر ، الذى لم يكن يقصد الانفصال عن روما فى كنائس ألمانيا، سويسرا وأماكن أخري كثيرة. لذلك سميت هذه الكنائس بالبروتستانت. لكن، مع مرور الوقت نسيت ما كانت تحتج عليه.  كانت الحركة محاولة للرجوع إلى المسيحية الكتابية، وأثمرت  فى تنقية رسالة الخلاص وسلطان الكتاب المقدس، من كل الأفكار الكنسية.

كانت هناك ثلاث مبادئ أساسية في الإصلاح:-

أولاً: بدأت بالسؤال "ماذا أفعل لكى أخلص؟" وكان الجواب هو أن التبرير أمام الله هو بالإيمان، بعمل المسيح الكامل، وليس بأى أعمال أخرى.

وكان السؤال الثانى: "ما هى السلطة النهائية فى أمور الإيمان المسيحى؟" و الجواب: هو الكتاب المقدس وحده.

وكان السؤال الثالث: "من يقود شعب الله؟" وكان الجواب: ليس كهنوت بشرى خاص، ليس له سلطان على ضمير المؤمن، بل أن سلطانه يتجاهل المكتوب. رأي المصلحون أن الكنيسة الرومانية لا تعمل بحسب تعاليم العهد الجديد فى العقيدة ، والقيادة.

كان هناك عدد كبير من شخصيات الإصلاح القيادية. بالإضافة إلى مارتن لوثر فى ألمانيا ، كان هناك هلدرتش زوينجلى (1484-1534)، جون كلفن (1509—1564) اللذان خدما فى سويسرا.

واجه المصلحون  أخطاء الكنيسة الرومانية بكلمة الله. لكنهم أبقوا على بعضها. قبلوا فكرة اشتراك الحكومة في الكنيسة، قبلوا فكرة ضمان خلاص الأطفال بالمعمودية، وغيرها. قاوموا بشدة الذين خالفوهم الرأي فيما بعد، واستخدموا العنف ضدهم.

دفعت حركة الإصلاح القوية الكنيسة التقليدية إلى القيام بإصلاحاتها الخاصة، تنقت بعض الأعمال البابوية، لكن استمر الاعتماد على التقليد بلا تغيير. وصار الناس بمرور الوقت يعتنقون ديانة وطنهم كعادة قومية أو عرقية، مثلما حدث فى الكنائس الأرثوذكسية الوطنية فى الشرق.

كان اختراع جوتنبرج للطباعة المتحركة 1462م هو أحد الأمور المعينة فى النهضة، مما ساعد على تدفق الكتب المقدسة فى أيدي عامة الناس فيما بعد.

تمثل كنيسة "ساردس"  الضعف الروحى بعد الإصلاح ( رؤ3 :1-6) كانت الكنيسة التى لها اسم أنها حية وهى ميتة . يحتاج الأعضاء  أن يتذكروا قول المخلص: "أذكر كيف أخذت وسمعت واحفظ وتب"

6-الكنيسة الساهرة (1701—1900م)

أنقذت الكنائس من هذا الضعف الحركة التطهيرية (التقوية)،  بقيادة فيليب سبنير(1635—1705).  لقد عانى المؤمنون كثيرًا من كبرياء  رجال الدين، وفساد الخدام، وأعضاء الكنائس ، فجاء الطهوريون يؤكدون التوبة ، اتجاه القلب، دراسة الكتاب المقدس،  والاشتراك فى العمل الروحى من جميع المؤمنين . أغضب هذا الاتجاه العاملين فى الكنيسة الرسمية واتهموهم "بالكماليين".

وكان للحركة التطهيرية نفوذ قوي فى القرن الثامن عشر. وامتد نفوذها خارج ألمانيا. كان "زنزندورف" يجتمع مع جماعته المخلصة  فى مكان صغير يسمي "هيرنهت" ومعناه  (ساعة الرب)، يصلون طوال اليوم، وكل يوم. واستمرت الصلاة  بعدهم نحو 200 سنة.كان تكريس هذه الجماعة للمسيح نموذجيًا. وإذ سمعوا عن انتشار وبأ فى الهند، أرسلوا المرسلين للمعونة. وأرسلوا المرسلين الآخرين إلى كل مكان فى العالم. وهكذا بدأت الحركة المُرسلية فى العالم.كانت الكرازة المُرسلية هى أكبر هدف عند زنزندورف.

ثم جاء الواعظ الأمريكي الشهير يوناثان إدواردز (1703— 1734 ) ليقود النهضة الكرازية مبتدئًا من  نورثمبتون—ماسوشتس 1734م .قاد جون وتشارلس ويسلى  مع جورج هوايتفيلد نهضات عظيمة  امتدت من  انجلترة إلى أمريكا فى القرن 18. حمل الوسليون الإنجيل إلى الخلاء وإلى المناطق الصناعية. ذهب الوعاظ المتجولون إلى كل مكان، نادوا بالعدالة الاجتماعية، فألغى الرق، أصلحت السجون  وقدمت المعونات للفقراء والمتحاجين.

برزت جمعيات الإرساليات المستقلة في العالم الناطق بالإنجليزية لتملأ الاحتياج الذي أغفلته المنظمات الكنسية، كما برزت أسماء مشاهير التاريخ المسيحي الذين ضحوا بأنفسهم بتجديد الوثنيين. ذهب وليم كاري إلي الهند ، ادونيرام جادسون إلي بورما، هادسون تايلور إلي الصين وديفيد ليفنجستون إلي أفريقيا.  قاموا بأعمال بطولية ومهدوا الطريق للآلاف الذين جاءوا بعد ذلك. زرعت الكنائس في أماكن لم يكن يوجد بها كنائس. حمل الإنجيليون الإنجيل الصحيح، بلا إكراه فتكاثر عدد المؤمنين.

قامت جمعيات الكتاب المقدس بترجمة الكتاب إلي لغات عديدة. طبعت مئات الملايين من النسخ لتوزيعها بالمجان. فظهرت الكنائس المسيحية في الوجود. صار من أبرز التعاليم: انتظار مجىء الرب لاختطاف المؤمنين وملاقاته في الهواء( 1تس 4: 17) . كانت الكنيسة  الأولي تنتظر هذا المجىء باستمرار  ، صارت نفس هذه الروح لكنيسة ذلك العصر. كان مؤمنو العصر يعيشون ويعظون عن الفرح، يجتمعون باسم الرب وحده، يمارسون عشاء الرب بطريقه بسيطة مع بعضهم البعض. انتعشت الكنيسة، لأنها رجعت وأطاعت تعليم الكتاب المقدس، كما كانت الكنيسة الأولى تفعل، وصاروا يطلقون علي أنفسهم اسم (الاخوة)، حيث عُرفوا بهذا الاسم في بليموث – إنجلترا، ثم انتشروا في كل العالم.

تنتمي هذه الفترة إلي كنيسة فيلادلفيا (رؤ 3: 7-13)  فيلادلفيا تعني المحبة الأخوية، لم يكن لهذه الكنيسة تحذيرًا من الرب. لها الباب المفتوح – باب الكرازة بالإنجيل، كان لها إعلان الرب يسوع "ها أنا آت سريعًا" وصارت تنتظر الرب طول ذلك العصر.

7- الكنيسة الحالية (1901- الوقت الحاضر).

في القرن الماضي زرع اللاهوتيون الألمان – لسوء الحظ – بذور الشر في الكنيسة. لم يكن هؤلاء اللاهوتيون مؤمنين. جاء النقد الأكاديمى للكتاب المقدس ليهز إيمان طلبة معاهد اللاهوت، إيمان المثقفين أولاً ثم عامة الشعب. انتشر النقد العالي أو العقلانية الألمانية أو الثقافات العصرية. افترض النقد أنه في الإمكان الشك في الأسفار الكتابية. أعلن أنها قد تكون زائفة. انتقد ما كان يراه في الظاهر تناقضًا. أنكر المعجزات. تسائل عمَّن هو في الحقيقة يسوع التاريخ بالمقارنة مع يسوع الكتاب. أعاد النقد فحص كل شىء باستخدام نفس المصطلحات. كان هذا النقد قاتلاً ومخادعًا تمامًا.

تخللت هذه الأفكار معظم الكنائس البروتستانتية.   أعلن التابعون لها سيادة الكنيسة الرسمية ومعاهدها. عرفت هذه الكنائس بالتحررية أو العصرية. مع أنها اعترفت بحاجاتها إلي الاعتدال. هاجمت هذه الكنائس التحررية الجماعات المحافظة ووصفتهم بالأصوليين (المتطرفين). لأنهم رأوا فيهم التمسك بالأصول الكتابية. قام صراع كبير بين المؤمنين المحافظين وأولئك المتشككين. تضاعف الصراع بشعارات مثل: "المسكونية"، التي تعني تعاون وتماسك منظمات الكنيسة تحت مظلة منظمة واحدة. فسّروا صلاة المسيح من أجل وحدة الكنيسة بتكوين منظمات داخل الكنائس. تراجع كثير من المؤمنين من وراء هذه المنظمات ذات السيادة الليبرالية.

تزايدت أعضاء الكنائس، لكن ليس جميعهم تابعين حقيقيين للرب يسوع المسيح. كما تزايد عدد الكنائس ذات القيادة المستقلة، التي تخضع للكتاب المقدس، وشخص الرب يسوع كالسلطان المطلق. زاد أيضًا في هذا الوقت اتخاذ قرارات من أجل المسيح أكثر من أى عصر مضي.  أصبح بيلي جراهام أعظم كارز في العالم في اجتماعات تجذب مئات الآلاف من البشر. ضاعف الراديو والتليفزيون في نشر هذه الحركة القوية. لكن،  في نفس هذا الوقت كانت هناك سطحية في الحياة، فساد أخلاقي بين عدد كبير من هذه الجموع. تراجع عدد آخر من المرسلين من الميدان. قرضت المادية وخططها حيوية الكنيسة. ظهر في بداية هذا القرن في توبيكا كانساس ثم في لوس أنجلوس وكاليفورنيا بداية ما يسمي: (حركة الألسنة الحديثة) . تطورت هذه " الحركة الخمسينية الكريزماتية"، وصار لها نفوذ عظيم. تكونت من هذه الحركة كنائس خاصة ثم بدأت هذه المبادئ تتخلل صلب الكنائس الأخرى. أكدت الحركة علي المعجزات، الشفاء، الآيات والعجائب كوسيلة تؤيد أن الخدمة هي من الله. انقسمت هذه الحركة إلي مجموعتين: –   الممتلئين بالروح ( الذين لهم نفس العقيدة) و غير الممتلئين.   تسبب هذا في انقسامات عديدة داخل الكنائس. كان هناك مؤمنون كثيرون مخلصون في هذه الحركة، كما كان هناك آخرون غير مخلصون.

وكان للجماعة قبول عظيم من الذين:

  1. كانوا فى خوف شديد، بسبب نقص الحياة الروحية فى كنائسهم.
  2. كان لهم أساس فقير فى معرفة الكلمة.

وفى السنوات الأخيرة من هذه الفترة، صارت الكنيسة فى حالة فتور فى ولائها للمسيح. أصابتها عدوى المادية، الكبرياء والرضى الذاتى. 

تشبه هذه الكنيسة كنيسة سفر الرؤيا السابعة (رؤ 3 :14- 22) كنيسة لاودوكية.  ولا يزال يوجد شهود  كثيرون للمسيح.فيها.وقف المؤمنون  ثابتين فى المسيح، تحت الاضطهاد الشديد من الشيوعية فى الصين والاتحاد السوفيتي وفى كل مكان.

الخاتمة والتطبيق

عاشت الكنيسة رغم أخطاء بعض القادة الساقطين، لم تقو أبواب الجحيم عليها، كما وعد الرب. تحرك المؤمنون  الحقيقيون بثبات نحو هدفهم،  خلاص النفوس، وانتظار مجيء الرب الثاني.

أما مصير الكنيسة الاسمية، فهذا أمر آخر، ستستمر فى الارتداد ( 1تى 14 :1-2 ، مت 13 :33 ) يطلق عليها بابل (البلبلة)  بسبب تعاليم الضلال وبسبب امتزاجها الكامل به وسوف يدينها الله، ويحطمها فى نهاية الأمر (  رؤ 17 :1-6 ، 18 :1-4 ).

الكنيسة النابضة
اذهبوا وتلمذوا 10 مارس 2025