لدراسة هذا الموضوع، سنناقش أربعة أسئلة هامة كالتالي:
- هل تعاليم الكتاب المقدس (بعهديه، القديم والجديد)، تقول أن الله واحد؟
- ما هو الفكر المسيحي نحو الله، وثالوث أقانيمه؟
- كيف أعلن الله عن نفسه لحسم القضية؟
- هل هناك أيات و أدلة كتابية، لشرح الموضوع؟
أولاً : هل تعاليم الكتاب المقدس، تقول أن الله واحد؟
بالطبع نعم. يقول الكتاب المقدس أن الله واحد. لكن ما معنى أن الله واحد؟ هذا يعني أنه: متميز - فريد - ليس له مثيل في نوع وحدانيته الجامعة التي سيأتي الحديث عنها فيما بعد). إنه غير محدود و أنه الكائن الوحيد الذي يعتمد في وجوده على ذاته، أي سبب وجوده بداخله، على عكس كل الكائنات الأخرى لها سبب وجود خارجي.
ثانيًا : ما هو الفكر المسيحي نحو الله، وثالوث أقانيمه؟
على مر التاريخ، ظهر أكثر من ثالوث، لكننا نؤكد أن جميعها أساطير وبدع، لم تأخذ منها المسيحية، ولا تشبهها. فالمتشابهات ليست متساويات. من هذه الأساطير والبدع:
- بدعة سابليوس. ظهرت في القرن الثالث الميلادي، وهي بكل أسف موجودة حتى اليوم، ولكن تحت مُسمى (يسوع وحده). هذه البدعة تقول أن الله واحد، ولكن له تجليات ثلاثة في العهد القديم. الله تجلّى في صورة الآب، وفي الأناجيل تجلّى في صورة الابن، وفي أعمال الرسل والرسائل تجلّى في صورة الروح القدس. كأنهم يقولون أن الله له ثلاثة "أقنعة"، الآب والابن والروح القدس، لكنه هو يسوع وحده.
- بدعة الأريوسية. أريوس ظهر في القرن الربع الميلادي، و كانت بدعته تقول: "الآب وحده"، بمعنى أن الآب وحده هو الله، و الروح القدس هو مجرد قوة، والابن هو المخلوق الأول الذي خلقه الآب. الأريوسية انتهت في القرن الرابع الميلادي بمجمع نيقية، لكن بكل أسف، ظهرت بشكل أخر في القرن التاسع عشر تحت مسمى (شهود يهوه).
- بدعة المريميين: هؤلاء جماعة وثنيين، يتعبدون لآلهة الزهرة. بدأوا في القرن الخامس الميلادي، وأعتنقوا المسيحية شكليًا لا إيمانًا قلبيًا. كان إيمانهم بثالوث هو: الله ومريم والمسيح. هذا الأمر واجهه المسيحيون الحقيقيون، ورفضوه بشدة.
ثالثًا: كيف أعلن الله عن نفسه لحسم القضية؟
إعلان الله عن ذاته كان فيه حلاً لسؤال حيَّر الفلاسفة منذ القديم و هو: تُرى مع مَن كان الله يمارس صفاته وأعماله، من كلام وسمع ومحبة وغيرها، قبل خلق كل الخليقة؟
الله قبل الأزل البعيد مستغني بذاته، بصرف النظر عن وجود خليقة أم لا، لكي يمارس صفاته معها. فهو لم يكن في الأزل البعيد في حالة سكون، لا يسمع، لا يتكلم، لا يحب، إلى أن خلق خليقته، لكي يكلمها و يسمعها و يحبها. إنّه من الأزل البعيد في أقانيمه، مُحِب ومحبوب، مُتكلّم وسامع. إنّه كامل في ذاته، لا يحتاج لمَن يكمّله من خارجه.
إذًا، فإعلان الله عن نفسه أنه واحد في ثالوث، بمعنى أنه واحد في جوهره، جامع في تعينه، أو إظهاره لذاته. فهو جامع بغير تركيب أو امتزاج أو إنفصال. وهنا السؤال، ما معنى جوهر الله؟
جوهر الله يعني: ذات لاهوتية واحدة متميزة. إنّه جوهر إلهي مختلف عن أي جوهر أخر، لأنه يحوي في ذاته ما يجعله مستغنيًا عن خلائقه.
الله واحد جامع لثلاثة أقانيم. و كلمة "أقنوم" هي كلمة سريانية، تعني: مَن تميّز بلا إنفصال، ولا امتزاج.
كما أن الله أيضًا شخص. مع الأخذ في الإعتبار أن كلمة "شخص" ليست مرادفة لكلمة "إنسان" مع أن كل إنسان شخص. للتوضيح نقول: ما هي سمات الشخصية (الفكر والإرادة والمشاعر). فالله له فكر وله إرادة وله مشاعر، وهو ليس إنسان، مع أنه تجسد في ملء الزمان، ووجِد في الهيئة كإنسان (فيلبي 2: 8). كما أن كل إنسان على حدة، له فكر وإرادة ومشاعر منفصلة ومتغيرة عن الإنسان الأخر. الأمر الذي لا نجده في الأقانيم. فالأقانيم لها ذات الفكر و الإرادة والمشاعر الواحدة، متميزة، وبلا إنفصال.
رابعًا: الآيات والأدلة الكتابية التي توضح حقيقة الله الواحد الجامع في ثالوث.
من خلال الشواهد التالية، سنأخذ القليل من الكثير، لأن الكتاب المقدس يؤكد هذا الإعلان، في كل أسفاره، والموحى بها من الروح القدس.
1. إعلان الكتاب المقدس (بعهديه، القديم والجديد) أن الله واحد.
«...الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية 6: 4).
«... أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرِي» (إشعياء 44: 6).
«اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ» (إشعياء 45: 21،22).
«فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ» (مرقس 12: 32).
«وَأَمَّا الْوَسِيطُ فَلاَ يَكُونُ لِوَاحِدٍ. وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ» (غلاطية 3: 20).
2. وحدانية الله الجامعة.
«وَقَالَ اللهُ : «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 1: 26).
«فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متى 28: 19).
«فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ» (1 يوحنا 5: 7).
3. أزلية الأقانيم، بلا أسبقية، ولا أفضلية لأقنوم عن الآخر.
«تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا هذَا: «لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ»، وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ» (إشعياء 48: 16).
«نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» ( 2 كورنثوس 13: 14).
«فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا 1: 35).
«فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متى 28: 19).
آمين.
الله في المسيحية